اركان الوقف و شروط الوقف

الوقف ودوره في تنمية المجتمع
الفصل الأول: مفهوم الوقف وأحكامه : أركانه وشروطه
المبحث الثاني: أركان الوقف وشروطه

قبل الحديث عن الأركان التي وضعها الفقهاء للوقف الشروط التي تعلق بها لابد لنا أن نبين الفرق بين الركن والشرط، فالركن هو ما يتوقف عليه وجود الشيء وكان جزءا داخلا في حقيقة كالقراءة للصلاة، أما الشرط فهو ما يتوقف عليه وجود الشيء ويكون جزءا خارجا عن حقيقته كالوضوء للصلاة، وذكر جمهور الفقهاء الأربعة أركان للوقف وهي الواقف، الموقوف، الموقوف عليه والصيغة، ولكل ركن من هذه الأركان شروط خاصة به، تعرف بشروط الوقف، وسنتناول هذه الأركان وما يشترك فيها في أربع مطالب: الواقف وما يشترط فيه (المطلب الأول) الموقوف وما يشترط فيه (المطلب الثاني) الموقوف عليه وما يتشرط فيه (المطلب الثالث) الصيغة وشروطها (المطلب الرابع).

المطلب الأول: الواقف وما يشترك فيه.
الواقف هو المالك للوقف أو منفعته، ونظرا لأن الوقف عقد من عقود التبرعات، فإنه يشترط في الواقف أن يكون مما تتوفر فيهم أهلية التبرع، وهي أهلية الأداء الكاملة، ويقصد بها صلاحية الشخص لممارسة الأعمال التي يتوقف اعتبرها الشرعي على العقل، حيث تبدأ هذه الأهلية متى أصبح مميزا، ولكنها تكون قاصرة وتتم بتمام عقله وجسمه، وذلك عند بلوغه ورشده، فيتحمل عندها التكاليف الشرعية ويمارس جميع الحقوق، ويمكن أن نجمل شروط الواقف بما يلي( ).
1-العقل: فلا يصح وقف المجنون والمعتوه والنائم والمغنى عليه.
2-البلوغ: فلا يصح وقف الصبي الذي لم يبلغ
3-أن لا يكون محجورا عليه لسفه أو غفلة، وأجاز بعض الفقهاء وقفه في حالة واحدة، وهي أن نقف على نفسه أو على جهة بر وخير ، لأن في ذلك مصلحة له بالمحافظة عليه.
4-الاختيار، فلا يصح وقف المكره لأن عقود وتصرفات المكره باطلة
5-الحرية، فلا يصح وقف العبد إلا بإذن سيده، لأنه لا يملك شيئا وإنما هو ما ملكت يداه لسيده.

المطلب الثاني: الموقوف وما يشترط فيه:

الموقوف: هو محل الوقف الذي يرد عليه العقد، وترتب آثاره الشرعية عليه، ونظرا لأهمية الموقوف في بحثنا باعتبار أن له علاقة مباشرة بعنوان بحثنا، لذا فإننا سنتعرض لهذه الشروط بشيء من التفصيل.
وقد اشترط الفقهاء جملة من الشروط لاعتبار الموقوف محلا صالحا للعقد، هي:
الشرط الأول: أن يكون الموقوف مالا متقوما:
والمقصود بالمال المتقوم، هو ما كان مباحا يجوز الانتفاع به شرعا” وهو تحت حيازة شخص معين.
ويترتب على هذا أن كل ما لا يمكن الانتفاع به شرعا كالخمر والخنزير لا يعتبر مالا متقوما، و أن المباح غير المحرز لا يعد كذلك مالا متقوما كالطير في الهواء، والسمك في الماء، لأن هذا كله ليس له قيمة شرعية بالمفهوم الإسلامي، وعلى هذا الأساس فإن في كل مال قيمتين، ذاتية ومكتسبة، فالذاتية هي التي يكتسبها المال من إباحة الله تعالى الانتفاع به، أما المكتسبة فهي التي يستمدها المال من حيازة الإنسان له.
ولو فقد المال إحدى هاتين القيمتين لم يكن له صفة التقوم، فإذا لم يكن للمال قيمة ذاتية بأن يكون غير مباح شرعا فإنه سيفقد التقوم، قال الله تعالى:  يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ( ) وقال تعالى: يسألونك ماذا احل لهم قل أحل لكم ( ) ويقول أيضا:  ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ( ) وقد جاء في تفسير ابن كثير أن المقصود بالطيبات ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه وهو الحلال من الرزق( ).
وكذلك إذا فقد المال المكتسبة بأن بقي بدون حيازة وظل على الإباحة الأصلية، فإنه لا يعد متقوما بالمفهوم الشرعي.
وعلى هذا الأساس فإنه يصح أن يكون وقفا لابد أن يكون مالا متقوما حتى يمكن اعتماده من الناحية الشرعية، لأن المال الذي لا يعترف الإسلام بقيمته لكونه خبيثا، أو لأنه ملك الغير، لا يصح وقفه في وجوه البر والطاعة لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.

الشرط الثاني: أن يكون الموقوف معلوما علما تاما يزيل الجهالة عنه:
فإذا قال الواقف: وقفت جزءا من أرضي، دون أن يحدد مساحة الأرض ومكانها، يعتبر الوقف باطلا، لأنه سيؤدي عندئذ إلى المنازعة، ولأن جهالة محل العقد يجعل العقد لاغيا( ).
وقد ذكر بعض العلماء أن من أطلق الوقف دون تقييد اعتبر الوقف في كل ما يملكه، فقد جاء عن الغزالي أن من قال: ” أشهدوا أن جميع أملاكي وقف على كذا وذكر مصارفها، ولم يحدد منها شيئا صارت جميعها وقفا ولا يضر جهل الشهود بالحدود” بمعنى أن الوقف يصبح في هذه الحالة مشاعا على جميع ممتلكات الواقف، مع العلم أن المالكية قد أجازوا وقف المشاع( )، وبما أن الوقف عقد ناقل للملكية فإن الأفضل فيه كما هو شأن جميع العقود الناقلة ضرورة ذكر جميع الأوصاف، والمعالم التي تحدد شكل الموقوف وطبيعته تحديدا دقيقا يمنع من النزاع والجهالة، ولابد فيه بالنسبة للأراضي مثلا من تحديد الجهات الأربع وعدم الاكتفاء بالشهرة، لأن هذا النوع من المعاملات يستمر لأجيال طويلة وأماد بعيدة، وقد يأتي زمان تنتهي فيه شهرتاها التي كانت معهودة وقت وقفها، فيجب أن تكون وثيقة الوقف شاملة للتحديد الذي لا يدع لبسا في معالمها وحدودها.
الشرط الثالث: أن يكون الموقوف ملكا للواقف: ( ).
وقد اشترط الفقهاء هذا الشرط لأن الوقف تصرف يلحق رقبة العين، فلابد أن يكون الواقف يملك حق التصرف إما بالأصالة بأن يكون الموقوف ملكا تاما له، أو بالإنابة بأن يكون الموقوف ملكا للغير ولكن له حق التصرف فيه بالوكالة، فلا يجوز الوقف على من لا يملك كالعبد والجنين، لأن الوقف تمليك منجز كما لا يجوز أن يقف الواقف على مجهول أو على نفسه، أما الوقف العام فيجوز للواقف أن ينتفع به كما ينتفع به غيره كأن يصلي في مسجد وقفه أو يستقي من بئر حفرها، ودليل ذلك قول النبي  : “من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة” ( ) ويستفاد من هذا الحديث إيجازة الانتفاع من الوقف، ليس للمسلمين فقط بل حتى الواقف يجوز له الانتفاع من الوقف إلا أنه لا يجوز له أن يقف على نفسه.
والملاحظ أن بعض الفقهاء وسعوا من نطاق الواقف، حيث اعتبروا الجنين واقفا، وهو موقف المالكية حيث قالوا: “يصح على الجنين وعلى من سيولد في المستقبل”( ).
يتبين لنا من هذا أن الفقهاء قد ذكروا أحكاما تفصيلية كثيرة حول ملكية الواقف للعين الموقوفة، ولكنها لا تهمنا في بحثنا.
لكن الذي يهمنا في هذا البحث هو وجود أراض ذات طبيعة خاصة سنحاول الوقوف عندها ومعرفة الأحكام المتعلقة بالوقف، وهي أراضي الإقطاع (أولا) أراضي الأرصاد (ثانيا) وأراضي الحوز (ثالثا).
أولا: أراضي الإقطاع:
وهي الأراضي التي يمنحها ولي الأمر لبعض الأفراد لاستغلالها وزراعتها، وهي نوعان، إقطاع الاستغلال وإقطاع التمليك، فقد ذهب الفقهاء إلى أن النوع الأول لا يجوز وقفه لأنه ليس ملكا لصاحبه عكس النوع الثاني الذي يعتبر فيه الوقف صحيحا لأن الواقف تصرف فيما يملك رقبته ومنفعته.
ثانيا: أراضي الأرصاد:
ويقصد بالأرصاد أن يقف أحد الولاة أو الحكام أرضا من أراضي الدولة على مصلحة عامة كالمساجد والمدارس والمراكز الصحية، أو على أشخاص لهم استحقاق في الميزانية العامة لقيامهم ببعض الخدمات كالعلماء والفقراء أو طلبة العلم.
ونظرا لأن ولي الأمر لا يملك تلك الأراضي وإنما يده يد ولاية، فإنه لا يملك أن يقفها وإنما سمي هذا النوع من التصرفات إرصادا وليس وقفا.
ويتفق الإرصاد مع الوقف في بعض الأحكام، وأهمها أنه لا يجوز لمن يأتي بعده من الحكام والولاة أن يلغي ما أرصده من قبله.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن القول بجواز هذا الإرصاد وإعطائه بعض أحكام الوقف باعتباره صدقة دائمة، إنما يوسع دائرة الوقف، ويجعله شاملا لجميع أنواع الخير والبر التي ترصد منافعها للخدمات والمصالح العامة، مما يدخل تحت هذا النوع من أنواع التصرفات في الفقه الإسلامي مجالات استثمار كبيرة تعمل على تنمية ثروات الأمة وزيادة إنتاجها وتشغيل عدد كبير من الأيدي العاملة، لتحقيق الكفاية لهم وإبعادهم عن سلم الفقر والحاجة.
أما في ما يخص المشاع فقد قال صاحب المقنع من الحنابلة: “ويصح وقف المشاع” وبهذا قال مالك والشافعي وأبو يوسف” ( ).
ثالثا: أراضي الحوز:
ويقصد بها الأراضي التي حازها السلطان بعد عجز أصحابها عن زراعتها واستغلالها وأداء كلفته.
وهذا النوع من الأراضي التي حازها السلطان بعد عجز أصحابها عن زراعتها لا يصح وقفها من الحكومة، وإنما تعمل على إدارة شؤونها وتنميتها واستغلالها بالزراعة والإنتاج، ويكون دور الدولة فيها دور النائب عن أصحابها في القيام بشؤونها، أو أن تعهد إلى من يكون قادرا على استثمارها على شكل مزارعة( ).
الشرط الرابع: أن يكون الموقوف قابلا للوقف بطبيعته:
اشترط الفقهاء ضرورة أن يكون محل الوقف مالا قابلا للمنفعة والاستفادة من ريعه وأربحه حتى يؤدي الغرض والغاية التي من أجلها شرع الوقف، وقد بحث الفقهاء هذه المسألة بنوع من الإسهاب والتوسع وكان لهم في ذلك آراء متباينة وتوجيهات مختلفة نحاول هنا الوقوف على أبرزها وأقربها إلى المقاصد العامة للشريعة الإسلامية.
حيث قرر الحنفية أن الأصل في الوقف أن يكون عقارا، فإن كان منقولا لم يصح وقفه، إلا إذا كان تابعا لعقار، وذلك بناء على أصلهم في القول بضرورة تأييد الوقف وعدم توقيته، أما إذا كان المنقول غير تابع للعقار فلا يصح وقفه، إلا إذا ورد النص بوقفه كوقف السلاح والخيل والإبل.
أما الإمام محمد بن الحسن الشيباني من الحنفية فذهب إلى جواز وقف المنقول، إذا جرى العرف به المصاحف والكتب وأثاث المسجد، باعتبار أن هذا مما تعالم به المسلمون ورأوه حسنا فهو حسن، وأن الثابت بالعرف كالثابت بالنص.
وذهب الجمهور إلى أن المال الذي يصح وقفه ويكون قابلا لطبيعة المنفعة يشمل المنقول والعقار على حد سواء، وأكثر القائلين بجواز وقف المنقول هم المالكية( )، والأصل في ذلك هو عدم اشتراط التأييد عندهم في الوقف وعلى هذا يصح وقف كل مملوك عقارا كان أم منقولا أن منفعة، وقد ذهب إلى جواز وقف المنقول أيضا الشافعية والحنابلة( ).
وهناك بعض الفقهاء الذين أجازوا وقف الدراهم والدنانير والطعام والحلي ومنهم الشافعي وأحمد رحمهما الله( ) مادام متعارفا عليه بكثرة استعمال الناس له.
وقد وجه القائلون بجواز وقف الدراهم والدنانير ذلك بان تعطى لشخص مضاربة يتجر بها ويستثمرها لقاء جزء معين من اربح ثم يصرف ربحها كله أو بعضه للموقوف عليهم، ولاشك أن كل هذا منوط بالمصلحة فإذا قضى أهل الخبرة والصنعة والتجار بوجود مصلحة في وقف النقود فإن الفقهاء في ذلك رأي واضح بجوازه تحقيقا للمصلحة وعملا بما هو الأنفع لجهات الخير والبر.
ونظرا لما تحققه السيولة النقدية الآن من أرباح ومردودات على الجهات الطوعية فإن الأخذ بهذا الرأي واعتماده يعمل على توسيع نشاط هذه المؤسسة الوقفية وإنماء مرافقها وتحقيق المصلحة للموقوف عليهم، لا سيما إذا تمت إدارتها من قبل متخصصين وعاملين أكفياء فإن المردود الربحي يكون أكبر وأوسع من الأرباح التي تحققها العقارات والأراضي في الوقت الحاضر.

المطلب الثالث: الموقوف عليه وما يشترط فيه( )

الموقوف عليه : هو الجهة المستفيدة من الوقف، والتي يراد تحقيق كفايتها وسد حاجتها من خلال ربح الوقف وأرباحه.
ويشترط في هذه الجهة الشروط التالية:
1-أن يكون الموقوف عليه جهة بر
2-ا يكون الموقوف عليه جهة غير منقطعة.
3-أن لا يعود الوقف على الواقف
4-أن يكون على جهة تصح ملكها والتملك لها.
الشرط الأول: أن يكون الموقوف عليه جهة بر
من خلال مشروعية الوقف يتضح لنا أنه عبارة عن صدقة دائمة، يتقرب فيها العباد إلى ربهم بالإنفاق على وجوه الخير والبر، ولذلك لا يجوز أن يكون الوقف في معصية، فلا يجوز الوقف على السرَّاق أو شرَّاب الخمر أو المرتدين لأن الوقف على هذه الجهات باطل، لأنها معاص يجب الكف منها ولا يجوز المساعدة فيها.
وأجاز الحنابلة الوقف على الذمي، ووجهوا مذهبهم ذلك بأنهم يملكون ملكا محرما وتجوز الصدقة عليهم، وإذا جازت الصدقة عليهم جاز الوقف عليهم، فقد روي أن صفية زوج النبي  وقفت على أخ لها يهودي.
وأجاز الحنابلة الوقف من المسلم وغير المسلم على المستشفيات والملاجئ والمدارس والفقراء من أي ملة ومن أي جنس، ونحو ذلك مما هو نفع عام لا يختلف في حكمه دين ودين، ولأنه نوع من أنواع القربة إلى الله، سواء كان ذلك من السلم أو من غير المسلم( ).

الشرط الثاني: أن يكون الموقوف عليه جهة غير منقطعة( )
وذلك بأن يجعل الوقف على المساكين أو الفقراء أو طائفة تفضي العادة بعدم انقراضهم كقراء القرآن وطلاب العلم وأصحاب الفكر والثقافة.
فقد ذكر صاحب “المهذب” أنه لا يجوز الوقف إلا على سبيل لا ينقطع كالفقراء والمجاهدين أو على من ينقرض ثم يأتي من بعده من لا ينقرض، كأن يقف على شخص بعينه ثم على شخص بعينه ثم على الفقراء من بعده.
و هذا كله على أساس الرأي القائل باشتراط التأييد في الوقف، وهو ما ذهب إليه مجموعة من الفقهاء.
وخالف المالكية في هذا الاعتبار وأجازوا الوقف المؤقت حيث يصح عندهم أن يكون الوقف لمدة محددة ثم يعود الموقوف ملكا لصاحبه( ).
وللحنابلة وجه في جواز انقطاع الوقف، إلا أنه إما أن يعود إلى مالكه إن كان حيا أو يصرف إلى المساكين والفقراء إذا حصل الانقطاع بعد وفاته( ).
الشرط الثالث: أن لا يعود الوقف على الواقف
وقد اعتبر كثير من الفقهاء على النفس باطلا( ) واستدلوا على ذلك بما جاء في الصحاح من حديث وقف عمر رضي الله عنه حيث قال له النبي: “أحبس الأصل وسبل الثمرة”( ).
ووجه الاستدلال في هذا الحديث أن تسبيل الثمرة أي جعلها سبيلا وصدقة، ولا تصح صدقة الإنسان على نفسه، فكذلك لا يجوز وقفه على نفسه، فكذلك لا يجوز وقفه على نفسه، كما أن الوقف يقتضي زوال الملك فيصبح كالبيع والهبة، وبما أنه لا يصح للإنسان مبايعة نفسه ولا الهبة لها. كذلك لا يصح الوقف عليها، لأنه من باب تحصيل الحاصل، وتحصيل الحاصل محال، وقد خالف هذا الظاهرية حيث أجازوا الوقف على النفس، واستدلوا على ذلك بقوله  : “أبدأ بنفسك فتصدق عليها” و أن الوقف نوع من أنواع الصدقات يجوز أن يكون على النفس أخذا بظاهر هذا الحديث، ألا أن أبو زهرة اختار مذهب مالك لأنه لا يجيز للواقف أن يشترط الغلات لنفسه ولا يأكل منها بالشرط إلا إذا استثنى لنفسه شيئا يسيرا والعمل بهذا مصلحة يتلاءم تمام الالتئام مع مرمى الشارع في القوت ومعناه( ).
الشرط الرابع: أن يكون على جهة يصح ملكها أو التملك لها.
كالوقف على الأشخاص أو طلاب العلم، فإنهم مما يصح له التكلم، فإن وقف على مسجد أو رباط أو مستشفى صح ذلك، لأن المالك هنا مجموع المسلمين لأنه مصروف على مصالحهم مما يصح لهم التملك.
وعلى كل فهذه الشروط والضوابط التي وضعها الفقهاء إنما تعمل على انضباط هذه المؤسسة الوقفية وعدم فسح المجال أمام من يريد استغلالها لمصالح خاصة أو مآرب شخصية، كما أن هذه الشروط تعل على توسيعه دائرة الوقف وشموله لجوانب متعددة من الحياة اليومية للمواطن المسلم، لتأمين قد كبير من التعاون والتناصر بين أبناء المجتمع الإسلامي، ليكونوا في ذلك كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

المطلب الرابع: الصيغة وشروطها

عرفت الصيغة بأنها: ما يصدر عن الواقف دالا على إنشاء الوقف ( ) ويشترط في صيغة العقد ما يلي:
1-أن تكون جازمة بمعنى أن تكون الألفاظ المعبرة عنها بصيغة تفيد الجزم والقطع وعدم التردد، وذكر بعض الفقهاء أنها ما كانت بصيغة الماضي كوقفت وحبست، وأن تخلو من خيار الشرط.
2-أن تكون منجزة: بمعنى أن لا يكون في الصيغة تعليق على شرط غير كائن أو متعذر الحصول، ولا إضافة إلى زمن مستقبل( ).
فإذا ربط العقد بشيء بحيث إذا وجد وجد العقد وإذا لم يوجد هذا الشيء لم يوجد العقد، مثال ذلك أن يقول الواقف، إذا حضر أخي من السفر فأرضي موقوفة على الجهة الفلانية فهذا لا يصح لأنه علق وجوده على وجود شيء آخر، وقد خالف في هذا الشرط المالكية فأجازوا الوقف المعلق سواء كان الشرط المعلق عليه ممكن الوجود كاليوم الفلاني أو الشهر الفلاني أو غير ممكن الوجود كقوله: إذا جاء فلان مثلا.
3-أن تكون الصيغة مؤبدة، فلا يجوز تحديدها بوقت محدد عند جمهور الفقهاء سواء طال هذا الوقف أم قصر، وعلى هذا فلا ينعقد الوقف إذا قال وقفت مكتبتي هذه لمدة سنتين مثلا( ) وخالف المالكية في ذلك وذهبوا إلى صحة الوقف المؤقت، وقال الخرشي: “ولا يشترط في صحة الوقف التأييد بل يصح ويلزم مدة سنة ثم يكون بعدها ملكا” وهو بذلك ساير الإمام مالك( ).
4-أن تكون معينة الصرف: بحيث تكون جهة الوقف معلومة سواء العلم بالنص عليه أو فهم ضمنا دون اللجوء إلى ذلك.
5-عدم اقتران الصيغة بشرط، يخل بأصل الوقف أو ينافي مقتضاه، لأن الشروط المنافية للعقود مبطلة لها، وهذا متفق عليه عند الفقهاء، وذهب بعض فقهاء الحنفية إلى أن الوقف في هذه الحالة يكون صحيحا والشرط باطل، وهذا هو المختار للفتوى( ) وبعدما تطرقنا إلى كل ما يهم أركان الوقف وما يشترط فيها ننتقل في مبحث ثالث إلى التفصيل في أنواعه.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.