احداث الشغب في الخبر خلال اليوم الوطني السعودي : تداعيات وتحليلات

تداعيات أعمال الشغب في اليوم الوطني السعودي

حتى عام 2005، لم يكن لليوم الوطني في السعودية أي مظهر عدا برقيات التهنئة التي تصل لأقطاب الحكومة من الدول الأخرى. وكانت أخبار تلك البرقيات في أجهزة الإعلام الرسمي، هي المنبه الوحيد الذي يُذكر المواطنين بمرور ما يسمى “اليوم الوطني”، أو “ذكرى تأسيس المملكة” بحسب التسمية الرسمية.

فقد كان الحكومة السعودية مضطرة لأسباب دينية – أمنية، ومنذ عهد الملك فيصل المتزامن مع عهد المتشدد الوهابي محمد بن ابراهيم آل الشيخ الذي كان مفتيا للسعودية، إلى قصر الاحتفالات في اليوم الوطني على المظاهر الدبلوماسية الخارجية فقط، بعد فتوى واضحة من المفتي بتحريم الاحتفال قطعيا. وإلى جانب ذلك، كانت وزارة الداخلية (التي كان يديرها الملك فهد) تدعم وجهة النظر الدينية من منطلقات سياسية أمنية، إذ أن السماح باحتفالات شعبية تقوم على التجمع والتجمهر، سيؤدي بالتأكيد إلى إتاحة الفرصة للتجمهرات المضادة للحكومة في مدن معينة. وظل التحالف الديني الأمني قائما مع تغير الشخصيات من ملوك ومفتين ووزراء داخلية، وتتابعت الفتاوي من هيئة كبار العلماء في شأن التحريم.

ولكن، عوّضت الحكومة نفسها منذ عام 1985 بمهرجان الجنادرية، الذي يشبه احتفالات أعياد الاستقلال والأيام الوطنية في الدول العربية، ولكنه يُعقد في السعودية تحت غطاء قطاع (الثقافة) في مؤسسة الحرس الوطني العسكرية، ودون تحديد موعد سنوي ثابت له. ويتم من خلاله جلب شعراء وكتّاب تدور أطروحاتهم غالبا حول عظمة تاريخ الحكومة وقدسية أشخاصها الموتى والأحياء.

وبالطريقة التي استفاد فيها النظام العالمي من أحداث 11 سبتمبر للضغط على الحكومة السعودية من أجل الحقوق والحريات، استغلت الحكومة بدورها، بدء السلفيين بعملياتهم القتالية الداخلية في 12 مايو 2003، من أجل كسر بعض المواثيق القائمة بين المؤسسة السلفية ونظيرتها السعودية. فقد وجدت الحكومة أن بالإمكان تقديم بعض التنازلات التي تخدم صورة الحكومة خارجيا حتى وإن أثارت غضب السلفيين، الذين كانوا في أدنى شعبيتهم إثر استهدافهم للمواطنين لا للحكومة.
khobar
وكان من آثار ذلك، التحرر الطفيف للصحافة، دعم النزعة الليبرالية في وزارة الثقافة، إشراك السلفيين جنبا إلى جنب مع المكونات الأخرى فيما سُمّي بـ “الحوار الوطني”، إقامة منتدى جدة الإقتصادي، التقدّم الطفيف في مجال حقوق المرأة والمساواة (القوانين التجارية، وتولي المناصب العامة).

ومن ضمن هذه التوجهات التي برزت بين أعوام 2003 – 2005، تقليص فكرة “الأمة الإسلامية” مقابل فكرة “الوطن السعودي”. حيث ظهر لاقطاب الدولة أن استمرار تجاهلهم الداخلي لهذه المناسبة يحرمهم من فرصة (البرهان الإعلامي) لحب الشعب لهم والذي يمكن تزييفه، كما كان لديهم ظن بأن تقديم الهوية الوطنية على الهوية الدينية سيحدّ من أعداد الملتحقين بالتنظيمات السلفية القتالية وعلى رأسها القاعدة.

وفي 2005 شرّعت الحكومة (يوم عطلة رسمي) احتفالا باليوم الوطني، واعتمد في تحديد يوم العطلة سنويا على التاريخ الميلادي، وهو الأمر الذي يحدث لأول مرة رسميا. وأرغمت السلطة بعض المؤسسات الحكومية كالمدارس والجامعات على إبراز مظاهر احتفالية ضخمة موجهة، كما حفّز مؤسسات القطاع الخاص على إبراز الإحتفالية من خلال تعليق اللافتات ونشر إعلانات التهنئة (للشعب) وما إلى ذلك.

  • السلفيون ينتفضون

السلفيون تدخلوا لتخريب عدد من المناسبات الثقافية العامة

لم تكن هذه التحركات غائبة عن مرصد السلفيين الوهابيين المتشددين، ولكنهم كانوا آنذاك في خضّم مقاومة العاصفة السياسية – الإعلامية – الشعبية التي كانت تهدد كيانهم إلى حد ما. فأحنوا رقابهم للعاصفة حتى مرّت، ثم بدأوا وتحديدا منذ عام 2006 بالعودة للنشاط الحركي، ولكن من خلال رموز جدد وأساليب أخرى. فقصروا اهتمامهم ومشاركتهم في بادئ الأمر على مسألة المناهج التعليمية التي بدأ حولها جدل محدود وقضايا المرأة (السماح لها بالعمل التجاري)، ثم قضايا الإختلاط.

وفي 2007 تركّز النشاط الحركي السلفي على الجانب الثقافي، وقام السلفيون منذ ذلك الحين بعمليات تخريب في الأنشطة الثقافية، من أبرزها مصادرة الكتب والإعتداء على كتاب ومؤلفين، في معرض الرياض الدولي للكتاب، ومهاجمة فرق مسرحية ضمن احتفالات أمانة الرياض بالأعياد، كذلك الإعتداء على مثقفين وأدباء ومحاضرين في جامعة اليمامة الخاصة.

وظهر للعيان أن السلفيين استعادوا قوتهم، غير أنهم عادوا إلى ساحة المجتمع بأفكار أكثر همجية من أفكار أسلافهم الذين كانوا يعتمدون على فكرة التقرب من أقطاب السلطة ومن ثم اكتساب النفوذ، فالسلفيون الجدد، أصبحوا يعتمدون فكرة الصدام والمواجهة المباشرة مع المختلفين عنهم، وما دفعهم لذلك هو أن التغييرات التي حصلت كان مصدرها سلطة أعلى من تلك التي يلجأون إليها لإيقاف ومنع ما لا يروقهم. فتعيين الليبراليين وزراء للإعلام أمر خارج عن نطاق نايف وزير الداخلية الذي يعتبر قلعة السلفيين في الحكومة. كما أن مسائل الحوار الوطني وتعيينات المرأة وحرية جامعة اليمامة كلها مسائل أكبر من أن يتدخل بها المحسوبون على السلفيين في الحكومة.

ولمّا كان الاحتفال باليوم الوطني من المسائل الخارجة عن سلطة السلفيين وممثليهم، فقد تجاهلوا الأمر لثلاثة أعوام (2005 – 2007) ما عدا بعض الخطب والفتاوي والمقالات المتفرقة. ولكن وفي عام 2008 وقبل حلول موعد اليوم الوطني، أصدر عشرة من قادة السلفيين بيانا عارضوا فيه بشكل قاطع تخصيص عطلة لليوم الوطني أو “إظهار الفرح به أو تمييزه”. وجاء في البيان الذي وقعه العشرة ومن بينهم الشيخين البارزين عبدالرحمن البراك وناصر العمر أن الاحتفال بهذا اليوم “محرم تماما” وأن منح العطلة فيه ليس إلا “تشبها بالكفار ومضاهاة لأعيادهم”. وابتكر العشرة سببا ثالثا لمنع الاحتفال وهو أنه في تاريخه (23 سبتمبر) موافق لمهرجان وعيد عند “أهل الفرس المجوس”، كما أشاروا إلى أنه يستخدم التاريخ الميلادي وتلك بدعة رابعة دفعتهم لإصدار بيان التحريم.

ولم يُحدث البيان أي ردة فعل حكومية عند إصداره العام الماضي، وتمت عمليات الاحتفال الرسمية كما هو مخطط لها، وهذا التجاهل هو ما دفع السلفيين الحركيين إلى التعامل بشكل مغاير مع احتفالات اليوم الوطني لهذه السنة 2009.

  • أحداث الخبر

بحسب توجيهات الديوان الملكي لوزارة الداخلية، فإن على الأجهزة الأمنية في الوزارة أن تسمح بتعبير المواطنين عن فرحتهم باليوم الوطني مع مراقبتها للأمن وضمان عدم الإخلال به. ومع هذا التوجيه الذي جاء مع إقرار الاحتفال باليوم الوطني، شهدت بعض الشوارع في عدد من المدن وبدءا من عام 2005 تجمعات على السيارات من قبل شبان ومراهقين تزامنا مع اليوم الوطني، مع العلم بأن التجمعات الشبابية كانت تحصل بشكل يومي في كافة المدن بدافع الترفيه وقضاء الوقت، ولكن الفارق بينها وبين تجمعات اليوم الوطني أن الأخيرة لا تقبض فيها الشرطة على الشبان ولا تحتجز سياراتهم أو رخص قيادتهم ولا تهاجم تجمعاتهم الراجلة بالهراوات، كما يحدث في كل الأيام قبل اليوم الوطني وبعده.

وعلى هذا الأساس أصبحت عطلة اليوم الوطني مرادفا لـ (ليلة بلا شرطة) بالنسبة للشبان والمراهقين. وتزايدت التجمعات خلال أعوام 2006 – 2007 واضطرت إمارات بعض المدن إلى تجاهل التوجيه الملكي وتوجيه وزارة الداخلية فنصبت نقاط تفتيش على الطرقات واعتقلت كافة المتجمهرين.

وفي المنطقة الشرقية، على وجه الخصوص، كانت تلك التجمعات التي تُحصر عادة في منتزه عام أو مخطط خارج النطاق السكني، قد انتجت عمليات تخريب محدودة في أعوام 2007 – 2008 استهدفت المنشآت والمرافق العامة، وفي محافظة حفر الباطن على سبيل المثال تم تحويل متنزه عام (بمساحة 6 كلم مربع) إلى أنقاض في ليلة واحدة.

ومع حلول مساء اليوم الوطني لهذه السنة، تدفقت جماهير من الشبان على طريق الكورنيش في محافظة الخبر، ثم وبحسب روايات شهود العيان، حصلت مشادات بين أجهزة أمنية وبين سلفيين متشددين بينهم أعضاء رسميون في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ طلب المتشددون إغلاق طريق الكورنيش واعتقال المجتمعين، وهو الطلب الذي قوبل بالرفض من الأجهزة الأمنية.

عندها، وبعد تلك المشادات بفترة قصيرة، ظهرت مجموعات شبابية ملثمة، قادت مجموعة من المراهقين نحو تحطيم واجهات المحال والمطاعم على طريق الكورنيش، واستهدفت المحلات ذات الماركات الأمريكية كـ كنتاكي وهارديز وبيتزا هت، كذلك تعرضت حافلات نقل موظفين آسيوين للإيقاف والتخريب.

جانب من اعمال التخريب

وأكد شهود تابعوا الأحداث من موقعها، أن أولئك الذين قادوا عمليات التخريب هم من (المطاوعة) بحسب تعبيره إذ كانت لحى بعضهم ظاهرة من خلف الأقنعة. وسُمع صوت إطلاق نار ولم يُعرف ما إذا كان مصدره من الأجهزة الأمنية أم من المتجمهرين. وأسفرت العمليات عن خسائر مادية لمؤسسات خاصة تقدر مبدئيا بحسب مصدر في الدفاع المدني بالمنطقة الشرقية بمليون ريال. فضلا عن الأضرار التي تعرضت لها أملاك الدولة في الحدائق والمتنزهات.

  • مدن أخرى

وفي حفر الباطن جرت كذلك أعمال شغب مشابهة لما حدث في الخبر تلك الليلة، أشعلها سلفيون متشددون، وأسفرت عن إيقاع 7 جرحى من المدنيين فضلا عن خسائر مادية غير مقدرة لمبانيٍ خاصة. كذلك في الباحة تحول مساء اليوم الوطني إلى يوم للمطاردات حيث طاردت دوريات الشرطة تجمهرا جماعيا على السيارات، واضطرت إمارة المنطقة بحسب مصادر من هناك إلى قطع الكهرباء عن أجزاء من المدينة طوال تلك الليلة، كما أغلقت عدة طرق رئيسية.

أما في جدة، فقد اتخذت المصادمات وجها آخر، حيث اشتعلت مواجهات بين مجموعات من الفتيات وبين عناصر من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال شهود عيان أن أربع دوريات للهيئة اضطرت للإنسحاب بعد محاولتها اعتقال فتيات كن يرتدين ملابس خضراء دون غطاء الرأس والوجه، واضطرت الهيئة للإنسحاب بعد تجمهر المتواجدين في المجمع التجاري ضد عناصر الهيئة.

وفي الطائف فرضت الهيئة حصارا على مجمع العبيكان التجاري، وكان من المقرر أن تقام فيه احتفالات من قبل بعض شركات القطاع الخاص غير أنها ألغيت جميعا، وتسبب ذلك في مصادمات بين بعض ممثلي الشركات وعناصر الهيئة. وأيضا في تبوك أشارت مصادر إلى سماع اصوات إطلاق نار في تجمعات تحولت إلى تجمهرات تفحيط واستعراض للسيارات في ساحة رئيسية بالمدينة. أما في جيزان ونجران والأحساء والقطيف وحائل والمدينة ومكة، فقد مر اليوم الوطني بتجاهل تام.

  • الدافع الآخر لأعمال الشغب

كان كل ما فعله السلفيون ذلك اليوم في الخبر وحفر الباطن، هو استغلال لنزعة موجودة أصلا لدى الشبان والمراهقين، وهي نزعة الغضب على الحكومة ومحاولة الإضرار به بأي وسيلة كلما أمكن ذلك. وهذه النزعة هي الدافع الذي عزز من أثر التحرك السلفي في اليوم الوطني. إذ أن معظم المتجمهرين بدأوا بالتخريب حالما شاهدوا اشخاصا آخرين يقومون بذلك، ولم يكونوا على معرفة بالسبب الحقيقي خلف بدء أعمال الشغب، وأكثريتهم شاركوا فيه لمجرد تحدي أجهزة وزارة الداخلية والعبث معها لا من أجل أجندة سلفية.

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.