نتائج الدراسة الميداينة لسجون النساء ببني ملال ومكناس

المؤسسات العقابية ودورها في إعادة تأهيل – الباب الثاني :
نتائج الدراسة :
بالرغم من المجهودات المبذولة في جعل العقوبة تؤدي دورها الإصلاحي والتربوي خلال السنوات الأخيرة من طرف مديرية السجون عن طريق إحداث وتجهيز مراكز بيداغوجية من اجل تكوين السجناء في مختلف الشعب وتمكينهم من اكتساب مهارات وحرف معينة إلا أن هذه الأهداف تبقى قاصرة في بعض المؤسسات السجنية ولم يتم تعميمها على باقي المؤسسات الأخرى ومن بينها السجن بمدينة مكناس محل الدراسة حيث استخلصنا مجموعة من النتائج.

أولها التعليم داخل هذا السجن لم يلق الاهتمام الكافي حيث أنه بالرغم من توفر بلادنا من 25 غشت 1999 على قانون جديد للسجون قانون 23.98 يتميز بتبيينه لقواعد الأمم المتحدة النموذجية لمعاملة السجناء وترسيخه لحقوق الإنسان حيث أن من أهم المبادئ التي جاء بها هذا القانون هو تعميم التعليم على المؤسسات السجنية فإن الملاحظ هو غياب هذا المبدأ داخل سجن مكناس وهذا ما لا يتماشى مع التطور التي طالت بعض السجون في هذا الموضوع.

أما النتيجة الثانية هي مشكلة الاكتظاظ وذلك لعدم التناسب بين الطاقة الاستيعابية وعدد الوافدات على السجن خصوصا و أن الزيادة في الجريمة وعدد المجرمين يعرف تطورا سريعا ومذهلا، وذلك راجع إلى متابعة الكثير من المتهمات في حالة اعتقال احتياطي الوقت الذي يمكن متابعتهن في حالة سراح لتوفرهن على الضمانات لمثولهن أمام المحاكم.
والنتيجة الثالثة تكمن في نقصان فرص العمل داخل السجن ذلك أن العمل المتوفر هو صناعة الزرابي ولا يستفيد منه جميع السجينات وهذا ما لا يجعل السجينات يتكيفن مع ما تفرضه الحياة داخل هذه المؤسسة لأن العمل يحقق لهن استغلال أوقات فراغهن في عمل مثمر من جهة ومن جهة أخرى يساعدهن عند مغادرتهن السجن وذلك بما يوفره من الأجور المدفوعة لهن لقاء الأعمال التي يقمن بها كثمرة اقتصادية بالإضافة إلى ذلك فإن العمل يزرع في نفوسهن الثقة والشعور بالمسؤولية.

كما أن السجينات يشتكين من سوء التغذية التي تقدم لهن هذا يجعل السجينات يكتفين بما يتم جلبه من طرف أسرهن.
وهكذا من خلال النتائج التي عرضناها يتضح لنا افتقار المؤسسة إلى وسائل إعادة الإدماج التي تعتبر من أهم الدعائم الأساسية في صياغة وفعالية التدخل العلاجي والتأهيلي والإصلاحي التي يتوخاه المجتمع من المؤسسة السجنية ذلك أن قانون 23.98 كفل العديد من وسائل الحماية للنزلاء نذكر منها:
*توفير الرعاية الصحية والطبية والأدوية اللازمة للنزلاء في المؤسسات ونقل ما يحتاج منهم إلى المستشفيات المختلفة إذا لزم الأمر وحسب ما يوحصي به طبيب المؤسسة.
*توفير الغذاء الصحي والمناسب للنزلاء لا سيما وجبات غذاء خاصة للمرضى حسب توصية طبيب المؤسسة (غيابه في سجن مكناس).
*مراعاة قواعد تصنيف النزلاء ووضع كل واحد منهم في المكان الذي يتلاءم مع فئته أو صنفه.
*توفير وسائل الاتصال بين النزلاء وذويهم ومحاميهم.
*منع تشغيل النزلاء في أعمال مهنية أو حاطة بالكرامة الإنسانية.
*توفير المعيشة الإنسانية
*ضمان حق الشكوى

وبالإضافة إلى وسائل الحماية هاته هناك مبادئ وضمانات جاء بها هذا القانون وهي الموجهة لتطبيق العقوبة والمعاملة ومنها تفريد المعاملة والعلاج والامتياز والتعليم والعمل.
ومن خلال ما سبق يبقى على عاتق مديرية إدارة السجون تعميم البرامج الإصلاحية والتقويمية على جميع المؤسسات السجنية بالمغرب ذلك أن هذه الآليات التي ينبغي تفعيلها ليست من باب الصدقة أو الإحسان أو أنها امتيازات تمنح للنزلاء بل إن المجتمع بتقديمه لمثل هذه الخدمات، يقوم بحماية نفسه من الجريمة والإجرام وحماية المجرم النزيل من نتائج أفعاله الإجرامية.

الفرع الثالث : خلاصة تركيبية لنتائج الدراسة:

إن قيام المؤسسات السجنية بدورها الإصلاحي والتأهيلي ليس بالمهمة السهلة ولا اليسيرة، ذلك أنه لابد من توافر عناصر النجاح وأسبابه، ولعل أبرز العناصر الواجب توفرها تتمثل في الموارد المالية اللازمة والبنايات الحديثة المناسبة لتطبيق البرامج الإصلاحية والتأهيلية، والتي تتطلب وجود أطر مؤهلة للقيام بهذه المهمة.
وإذا ما حاولنا إلقاء نظرة على العناصر المتوفرة بكل من السجن المحلي ببني ملال والسجن المدني بمكناس فإننا نستنتج العديد من الخلاصات التي ستوضح بشكل كبير ما يجب وما لا يجب لإنجاح العملية الإصلاحية والتأهيلية.
هكذا سنحاول عرض هذه الخلاصات من خلال دراسة البرامج الإصلاحية والتأهيلية المطبقة داخل المؤسسات العقابية المغربية في المبحث الأول، على أن نعرض في المبحث الثاني لأساليب تنفيذ الجزاء الجنائي خارج المؤسسات العقابية باعتبارها تمثل بدورها أحد أهم وسائل التأهيل من أجل إعادة الإدماج داخل المجتمع.

المبحث الأول: البرامج الإصلاحية والتأهيلية المطلقة داخل المؤسسات العقابية.
من خلال دراستنا لعينات البحث لاحظنا بأن معظم السجينات يتوفرن على مستوى ثقافي جد متدني، بحيث لم يتجاوز معظمهن المستوى الابتدائي، ولا يتوفرن على موارد كافية للعيش، فأغلبهن يعملن كخادمات بالمنازل.
وإذا كانت كل هذه الظروف تشكل العامل الأساسي الذي ساهم في إجرام النساء، فإن المؤسسات السجنية يتوجب عليها أن تعمل على القضاء على هذه العوامل من خلال تطوير برامج التعليم والتهذيب والتكوين المهني، وكذلك بتطوير برامج الرعاية الاجتماعية.

المطلب الأول: برامج التعليم والتهذيب
يعتبر التعليم والتهذيب من أهم أساليب المعاملة العقابية التي تساهم في تحقيق الغرض الأول من الجزاء الجنائي وهو التأهيل والإصلاح، فقد سبق أن بينا أن الجهل يعتبر عاملا من عوامل الدافعة إلى السلوك الإجرامي، ولذلك فإن تعليم السجينات ينتزع لديهن هذا العوامل، وفضلا عن ذلك فالتعليم يوسع مدارك المحكوم عليهن وينمي إمكاناتهن الذهنية مما يعينهن على حسن فهم الأمور وتقدير عواقبها. وبالإضافة إلى ذلك فإن التعليم يفتح أمام السجينات أبوابا للعمل كانت موصدة دونهن بسبب الجهل.
ويعتبر محو الأمية أدنى درجات التعليم وأغلب التشريعات تجعل هذه الدرجة من تعليم المساجين إلزامية ( ). وفي المغرب يعتبر برنامج محو الأمية السبيل الوحيد لتعليم السجينات.
إلا أن تطبيق هذا البرنامج لا يتم بنفس الوثيرة داخل المؤسسات السجنية المغربية وذلك إما بسبب غياب الأطر المتخصصة (نموذج سجن مكناس) أو بسبب انعدام الإمكانيات المادية اللازمة (نموذج سجن بني ملال).
وللتهذيب بدوره أهمية كبرى في إصلاح النزلاء، لإعادة إدماجهم في المجتمع وتكييفهم معه، فقد يكون انعدام أو ضعف الوازع الديني عاملا من العوامل المؤدية إلى الانحراف بالنسبة لبعض النزلاء، وبذلك يكون للتهذيب الديني في هذا المجال الفضل في استئصال أحد العوامل المؤدية للسلوك الإجرامي.
ونقصد هنا بالتهذيب ذلك الذي يغرس المبادئ والقيم الدينية التي تحث على الخير وتنهى عن الشر وتذكر الله سبحانه وتعالى، وبقدرته على عدله وعقابه. ويتولى مهمة التهذيب رجال الدين الذين تعينهم إدارة المؤسسة العقابية لهذا الغرض، ويجب أن تتوفر فيهم الشروط العامة كشرط الكفاءة في معاملة النزلاء وجذبهم، والتأثير في عقولهم. ووسائل التهذيب الديني تتمثل في إلقاء المحاضرات والمناقشات الجماعية والإجابة على استفسارات النزلاء وإقامة الشعائر الدينية( ).
وما لاحظناه من خلال الدراسة الميدانية أن السجينات لا يستفدن من برامج الوعظ والإرشاد الديني بل الأكثر من ذلك لا يتوفرن على مكان لأداء الشعائر الدينية، فالصلاة يتم أداؤها داخل الزنازن المكتظة، الشيء الذي ينعكس سلبا على عملية إصلاح وتأهيل السجينات.

المطلب الثاني: برنامج التكوين المهني
إن تشغيل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية ينمي لديهم الشعور بالمسؤولية والاعتماد على النفس واستغلال ما لديهم من طاقات للوصول إلى الأهداف المشروعة. وهكذا يتجه العمل إلى تأهيل النزلاء من خلال تدريبهم على كسب مهنة أو حرفة أو إتقانها بحيث ستطيعون بعد الإفراج عنهم مباشرتها( ).
ويحظى التكوين والتأهيل المهني بأهمية كبيرة في تنظيم العمل داخل السجون، ذلك أنه من بين الأسباب التي تؤدي إلى الجريمة الافتقار إلى القدرة على مباشرة عمل في صورة تدر موارد رزق كافية وتبعث في نفس العامل الاعتداد بعمله. وقد أشار مؤتمر جنيف إلى أن تحديد برنامج العمل الإصلاحي ينبغي أن يوجه إلى التكوين المهني، ويجب أن تكون أساليب وقواعد هذا التكوين مطابقة لما هو موجود ومقرر بصفة عامة في الدولة بحيث يحصل المحكوم عليهم على إعداد معادل للأشخاص الذين تلقوا التدريب خارج المؤسسة ويحصلون تبعا لذلك على شهادة أو دبلوم وفقا للقواعد المعتادة. وقد أشارت مجموعة قواعد الحد الأدنى لمعاملة السجناء بدورها إلى الأهمية التي ينبغي الاعتراف بها للتدريب والتكوين المهني.
إلا أن ما خلصنا إليه من خلال الدراسة الميدانية أن المؤسسات السجنية قيد البحث لا توفر أدنى فرص العمل للسجينات، طبقا للمعايير التي أشرنا لها سلفا، فكل ما تفرضه المؤسسات على النزيلات هو بعض أعمال التنظيف أو القيام بمساعدة موظفات السجن، كما أنها لا تعتمد داخلها برامج التكوين المهني ماعدا بعض أوراش الصناعة اليدوية (صناعة الزرابي بسجن مكناس، أعمال يدوية بسجن بني ملال) التي لا تساهم بشكل فعال في تكوين النزيلات.

المطلب الثالث: برنامج الرعاية الاجتماعية
إن الرعاية الاجتماعية تساعد النزلاء على تقبل الحياة السجنية وتكيفهم معها، وتوجيه النصح لهم في كل مشاكلهم بسبب الحياة الجديدة، وكذلك تأهيلهم وإعدادهم للعودة إلى المجتمع أفرادا صالحين.
ومن أساليب الرعاية الاجتماعية المساعدة على حل مشاكل النزلاء، بحيث يكون بعضها سابقا على دخولهم السجن والبعض الآخر لاحقا يرجع أغلبها إلى سلب الحرية وما يترتب عليها من آثار نفسية ضارة، وما يتبع ذلك من صعوبة التكيف مع الحياة الجديدة.
وتعد الأنشطة الترفيهية جزءا مهما من عملية التأهيل الاجتماعي، إذ تهيء النزيل جسديا وذهنيا للإقبال على البرامج التربوية والتدريبية وعلى تقبلها وهو في وضع جسدي مريح، وقادر على ذلك، بالإضافة إلى أن الترفيه يقوم بدور مهم في عملية التأهيل الاجتماعي للنزلاء حيث يتم وفق برامج مدروسة الأهداف والوسائل.
كما يعتبر من أساليب الرعاية الاجتماعية تنظيم اتصالات النزلاء بالعالم الخارجي وذلك تمهيدا لعودتهم للمجتمع، ذلك أن إبعاد النزلاء عن أسرهم كثيرا ما قد يؤثر على حياتهم النفسية مما يعيق تنفيذ البرامج الإصلاحية التي تهدف بالأساس إلى سير عملية التقويم والعلاج، لذلك استقرت الآراء حديثا على توطيد الصلات بين النزلاء وبين المجتمع عن طريق فتح الزيارات العائلية المستمرة وعن طريق المراسلات والاتصالات الهاتفية، باعتبار ذلك يدخل في أساليب المعاملة ويساهم في تحقيق أغراض التنفيذ العقابي( ).
وفي هذا الصدد، توضح الدراسة الميدانية بكل من سجن مكناس وسجن بني ملال أن هذه المؤسسات لا تأخذ بنظام الرعاية الاجتماعية بمفهومه المطلق، حيث نسجل غياب مشرفات اجتماعيات يقمن بمساعدة السجينات، كما نسجل ندرة الأنشطة الثقافية والترفيهية، ويبقى المجال الوحيد لتحقيق الرعاية الاجتماعية هو الزيارات العائلية والمراسلات التي تمكن النزيلات من التواصل مع العالم الخارجي.

المبحث الثاني: تنفيذ الجزاء الجنائي خارج المؤسسات العقابية
يكون التنفيذ الجزئي للجزاء الجنائي خارج المؤسسات العقابية بمثابة المرحلة الأخيرة في نظام تدريجي يلي السلب الكامل للحرية ويسبق التمتع بالحرية الكاملة، حتى يتعود المحكوم عليه على الحياة الاجتماعية العادية، فيسهل اندماجه في المجتمع بعد ذلك.
ويتخذ هذا التنفيذ في القانون المغربي صورة الإفراج الشرطي، وهو إطلاق سراح المحكوم عليه قبل الأوان نظرا لحسن سيرته داخل السجن، ولكن على شرط أن يظل مستقيم السيرة في المستقبل، أما إذا ثبت عليه سوء السلوك أو إذا أخل بالشروط التي حددها القرار القاضي بالإفراج الشرطي، فإنه يعاد إلى السجن لتتميم ما تبقى من عقوبته ( ).
ويبرر الأخذ بهذا النظام بأن الإفراج عن المحكوم عليه قبل انتهاء مدة العقوبة، إذا كان سلوكه حسنا، يدفع المحكوم عليه إلى سلوك السبيل القويم أغلب فترة الاعتقال سعيا وراء الاستفادة من هذا النظام. وبأن فرض التزامات معينة على المحكوم عليه بعد الإفراج عنه إفراجا شرطيا وكون استمرار هذا الإفراج معلقا على وفائه بهذه الالتزامات، يجعل المفرج عنه يحرص على احترام القانون حتى لا يتعرض لإلغاء الإفراج والعودة إلى السجن مرة أخرى. ومن جهة ثالثة، يجد هذا النظام تبريره في أن فترة الإفراج الشرطي تساهم في تحقيق تكييف المحكوم عليه مع المجتمع إذ تعتبر فترة انتقال من سلب الحرية المطلق في ظل المؤسسة العقابية إلى نوع من الحرية المقيدة، فيمثل هذا نوعا من التدرج في ممارسته لحريته حتى لا يدفعه انتقاله طفرة واحدة من القيود الشديدة إلى الحرية الكاملة، إلى إساءة استعمالها والعودة إلى ارتكاب الجريمة ( ).
وأخذا بهذه الاعتبارات نظم المشرع المغربي مؤسسة الإفراج الشرطي في المواد 633 إلى 632 من قانون المسطرة الجنائية. وهكذا يمكن للمحكوم عليهم بعقوبة سالبة للحرية من أجل جناية أو جنحة، الذين برهنوا بما فيه الكفاية على تحسن سلوكهم، أن يستفيدوا من الإفراج المقيد بشروط إذا كانوا من بين المحكوم عليهم من أجل جنحة والذين قضوا حبسا فعليا يعادل على الأقل نصف العقوبة المحكوم بها، أو من بين المحكوم عليهم بعقوبة جنائية أو بعقوبة جنحية من أجل وقائع وصفت بأنها جنائية، أو من أجل جنحة يتجاوز الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات حبسا إذا قضوا حبسا فعليا يعادل على الأقل ثلثي العقوبة المحكوم بها وإذا تعلق الأمر بمحكوم عليهم بالإقصاء فلا يمكن أن يكون اعتقالهم الفعلي أقل من ثلاث سنوات ابتداء من اليوم الذي أصبح فيه تدبير الإقصاء ساري المفعول ( ).
ويتم منح الاستفادة من الإفراج المقيد بشروط بقرار لوزير العدل بناء على رأي اللجنة المشار إليها في المادة 624 من قانون المسطرة الجنائية ( ) ويبلغ هذا القرار إلى علم المنتفع به بواسطة مدير السجن الذي يحرر محضرا في شأن التبليغ للمستفيد من الإفراج.
ولا يصبح الإفراج نهائيا إلا بانتهاء مدة العقوبة، ويمكن العدول عنه مادام لم يصبح نهائيا إذا ثبت سوء سلوك المستفيد منه أو عدم احترامه للشروط المحددة في قرار الإفراج المقيد بشروط( ).
-نموذج لحالة الإفراج الشرطي من داخل السجن المحلي ببني ملال:
أثناء إجرائنا للدراسة الميدانية بالسجن المحلي ببني ملال صادفنا نموذجا لسجينة حصلت مؤخرا على الإفراج المقيد بشروط، وبعد أن حصلنا على عنوانها من مدير السجن قمنا بزيارتها حيث تقيم، ومن خلال المقابلة التي أجريناها معها توصلنا إلى المعطيات التالية:
-معطيات خاصة بظروفها الشخصية:
تبلغ من العمر 35 سنة، ربة بيت متزوجة وأم لثلاثة أطفال تعيش بقرية أولاد بوخدو بضواحي مدينة الفقيه بن صالح، زوجها كان فلاحا وكانت الحالة المادية لأسرتها متوسطة.
توبعت بجريمة القتل العمد (قتل الزوج) وحكم عليها بالسجن لمدة 15 سنة، قضت منها مدة 6 سنوات و4 أشهر، وحصلت على عفو ملكي بلغت مدته الإجمالية 4 سنوات و 8أشهر، واستفادت من الإفراج المقيد بشروط بعد أن قضت حبسا فاقت مدته ثلثي مدة العقوبة المحكوم بها ( ).
-معطيات خاصة بظروف قضائها لمدة العقوبة داخل السجن:
داخل السجن كانت تقيم بغرفة مكتظة (20 سجينة مقابل 12 سريرا) تنعدم فيها وسائل الراحة بالنظر للاكتظاظ الحاصل وبالنظر لاختلاط مختلف أصناف المعتقلات بسبب انعدام معايير التصنيف، لم تكن تعمل وكانت تشعر بالروتين والملل بسبب الفراغ الذي كانت تعيش فيه. كانت تستفيد من دروس محو الأمية ومن ورش الأعمال التقليدية، التي لم تستفد منها الشيء الكثير، وكانت تتواصل مع ذويها وخاصة أطفالها خلال الزيارات العائلية الشي الذي سهل عليها التقرب من أطفالها بعد خروجها من السجن.
-معطيات خاصة بظروف قضائها لمدة الإفراج الشرطي:
بعد الإفراج أقامت مع خالها في منزله وبنفس القرية التي كانت تعيش فيها سابقا، أما أطفالها فيعيشون بعيدا عنها مع جدتهم في المدينة حيث يتابعون دراستهم ولا تراهم إلا في العطل.
تعيش الآن حياة طبيعية بالقرية في انتظار انتهاء أمد العقوبة التي لم يتبقى منها إلا ثلاث سنوات. ورغم شعورها بأنها مقيدة بالنظر لتحديد إقامتها، إلى جانب شعورها الدائم بالخوف من وقوع ما يتسبب في عودتها إلى السجن، إلا أنها تشعر بارتياح كبير بعد الإفراج عنها، حيث مكنها هذا النوع من الإفراج من التقرب من أطفالها بشكل تدريجي وذلك تمهيدا للإقامة معهم مستقبلا بعد انتهاء المدة المحكوم بها بعد اعتيادهم بدورهم على فكرة أن والدتهم لم تعد سجينة وربما أمكنهم ذلك من نسيان واقعة السجن بالنظر لصغر سنهم.
من خلال هذه الحالة يتضح لنا أن مؤسسة الإفراج الشرطي تلعب دورا طلائعيا في مجال التأهيل لإعادة الإدماج، ذلك أنها تشكل مرحلة تمهيدية للحصول على الحرية الكاملة وبالتالي العودة إلى الحياة الطبيعية داخل المجتمع والتكييف معها بشكل تدريجي.
إلا أن ما يمكن مؤاخذة التجربة المغربية عليه في هذا المجال، هو عدم أخذها ببرنامج الرعاية اللاحقة والتي تقوم على تعيين مشرف اجتماعي يعهد إليه بمهمة الإشراف على عدد معين من المحكوم عليهم ومساعدتهم على التكييف مع المجتمع الذي انفصلوا عنه طيلة مدة العقوبة.

فالمشكلة التي تواجه المفرج عنه دائما هي مواجهته للحياة في مرحلة ما بعد انقضاء الحكم والإفراج، فهو يكون بعيدا عن ظروفه المعيشية والتي تختلف عن تلك التي عاشها بالمؤسسة السجنية، كما انه يكون مواجها بعدم الثقة والنفور من الواقع الذي يفرض عليه أن يوفر لنفسه ولأسرته ظروف العيش في أحسن الأحوال، ومنذ أن أصبح التأهيل والإصلاح غرضين أساسيين للمعاملة العقابية والدفاع عن المجتمع بات من المقرر أن تكون هناك حلقة أخرى من حلقات المعاملة الإنسانية للمفرج عنه وهي حلقة الرعاية التي تلاحقه بعد خروجه للحياة العامة.
ولعل النساء هن أحوج المفرج عنهم إلى هذه الرعاية فهن يخرجن من السجن لمواجهة ظروف اجتماعية واقتصادية جد صعبة، خاصة حينما لا يوجد من يعيلهن حالة كونهن المسؤولات الوحيدات عن الأطفال.
إجرام المرأة ودور المؤسسات السجنية في إعادة تأهيلها

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.