فضيحة ان الجزائريين يكرهون مصر: جلسة ضغينة مع سبق الاصرار والترصد !

فضيحة أن ” الجزائريين يكرهون مصر “: جلسة ضغينة مع سبق الاصرار والترصد !
اليوم اكتشفت أنني محظوظ بعدم استقبال باقة المحطات التلفزية التي تبث عبر القمر الصناعي المصري ‘نايل سات’. وأخص بالذكر هنا قناة لا أعرف اسمها لكن يعمل بها مذيع مصري أعتقد أن اسمه عمرو أديب.
قبل أن تسألوا لماذا، أحيطكم علما بما يلي: هذا المذيع هو نموذج للبذاءة التلفزيونية ولأسوأ ما وصلت إليه شلة من الجاهلين والمغرورين الذين منحتهم الأقدار فرصة أن يكونوا ثرثارين تلفزيونيين ولن أقول مذيعين.
أجدد الحمد لأن الله نجاني من استقبال مثل هذه القنوات. لكن صديقا بعث إلي بكليب فيه مقطع من البرنامج المذكور يظهر فيه أديب وزميل له ـ لم أتشرف بحفظ اسمه ـ كالا فيه من الشتائم للشعب الجزائري ما لم يسبق لي أن شاهدت مثله في أي برنامج أو قناة تلفزيونية.
وحجته أن الجزائريين يكرهون مصر، كما ادّعى، دون أن يثبت كيف وأين ومتى. ولذا ظل يتساءل لماذا يكرهنا الجزائريون؟ لكنه لم يقدم طيلة شتائمه، كلمة واحدة مما قال انها صدرت من الجزائريين (هكذا كل الجزائريين) بحق مصر. لم يذكر، لا هو ولا شريكه في تلك الفضيحة، من قال وماذا ومتى وأين. لا شيء. كل ما حفظاه أن الجزائريين ‘بيكرهوا مصر’.
إذا أراد أساتذة الصحافة والتقديم التلفزيوني تعليم طلبتهم ما هو العيب الإعلامي والعار المهني، فلا يبحثون بعيدا، بل عليهم ببرنامجه الأخير ‘القاهرة اليوم’ الذي بُث مساء السبت، فهو درس قيّم وعبرة ستحفظها دفاتر اللاشرف التلفزيوني.
لماذا كل هذا السعار؟ كل ما في الأمر أن صاحبيكم كانا يردان على بعض الصبيان الذين عبثوا بأعصاب الجمهور المصري في مواقع النت وغرف الدردشة وصفحات الفايس بوك، في تراشقات بخصوص الكرة والتأهل للمونديال (علما أنهما لم يقرآ ما يكتبه بعض المصريين في هذا التراشق، أو ربما لأنه حق ممنوح لهم من السماء).
هذه يسميها واحد أعمته العصبية والغرور، ‘المواطن الجزائري يكره المصري’ و’بيحقدوا علينا’ رغم ‘احنا اللي حررناهم’ و’احنا اللي علمناهم العربي’ (لو سمع ما يقوله الجزائريون عن أساتذة اللغة العربية المصريين في الستينات لما تباهى بهم). ويسمح لنفسه بقول هذا الكلام في برنامج تلفزيوني. ويظل يدعو مثل ندّابة في مأتم.
لو صدر هذا الكلام من حشاش تحت أحد جسور القاهرة، لقلنا انه حشاش! لو بدر من رجل بسيط جالس بمحاذاة شيشة في مقهى من مقاهي القاهرة، لكنا قبلناه. ولو صدر من صحافي مبتدئ يبحث عن شهرة، لكنا تفهمناه. لكن أن يصدر من ثرثار تلفزيوني أصلعته المهنة، فهذا ما ينبغي ان نرفضه جميعا.
لم أتعود الوقوف عند هكذا تهريج. لكن عندما يتحوّل الأمر الى تحريض على الكراهية والضغينة، يصبح السكوت تواطأ معه. لا أعرف مدى شعبية هذا الشخص، لكنني أخاف على الجزائريين المقيمين بالقاهرة من تدفق هذا الحقد ومن ردود الفعل المستجيبة له. إني أحمّل هذا الشخص مسؤولية أي ضرر قد يلحق بجزائرية أو جزائري بريء في شوارع القاهرة. ومصدر خوفي أن صحافيا جزائريا اتصل من الدوحة بالبرنامج لتهدئة هذا الشخص (صونا له من نفسه)، فلم يُسمح له بالتدخل. ثم راسلهم فأهملوا رسائله لأن البرنامج أُعدّ ليكون جلسة كراهية مع سبق الإصرار والترصد، لا مجال فيها للاستماع أو النقاش.
أقولها لك بدون خجل يا هذا: لا أعتقد أنك شرف لمصر. ربما أنت عكس ذلك. ولو كان كل المصريين مثلك أتساءل كيف ستكون سمعة مصر في العالم. وبالمناسبة أنا أطالب بإنقاذ مصر منك وأمثالك لأنك أنت ذاتك من لعن اللاعبين المصريين وقال في الشاشة انهم اصطحبوا داعرات الى غرفهم في جنوب افريقيا، ثم اعتذرت بذل كبير.. أقصد مصر التي فيها محمود سعد وفيها شيخنا حسنين كروم وصديقاي سليم عزوز وعمرو عبد الحميد.
لست متعصبا للكرة، بل إن الانتصارات المتكررة التي يحرزها الفريق الجزائري تحرجني بشكل ما لأنني أعلم أن تماسيح السياسة في بلادي سينقضّون عليها ويجردونها من حلاوتها وهم لا فضل لهم فيها.
سبق لي أن انتقدت وثيقة تنظيم البث الفضائي العربي التي ناقشها وزراء الإعلام العرب في أحد اجتماعاتهم السابقة بالقاهرة، وقلت انها طريقة لتكميم الأفواه وتلجيم ما تبقى من أصوات وقنوات نزيهة ومحترفة.
اليوم أرجع في كلامي، وأحث وزراء الإعلام العرب على الإسراع ببدء العمل بالوثيقة الملعونة إذا كانت ستلجم هذا الشخص الذي نزل بمستواه الى حضيض وابتذال لم يسبقه إليهما أحد.
أحمد الله أيضا أن التلفزيون الجزائري لا يسمح لنفسه بالنزول الى هذا الدرك المخزي. فهو يلتزم حيادا عجيبا في المشاكسات التي يكون أحد أطرافها عربيا.
لذا لن تسمع ولن تشاهد في التلفزيون الجزائري كلاما يسيء لمصر أو يخرج عن حدود مباراة كرة القدم. حتى في ذروة التوتر مع المغرب لم أشاهد ولم أسمع في هذا التلفزيون، رغم عيوب الدنيا التي اجتمعت فيه، سبّا مباشرا صريحا للمغرب.
في الأخير أضع بين أيدي القارئ هذين الرابطين ليرى ماذا يحدث عندما يجتمع الجهل والتعصب وقلة الحياء في انسان:
http://www.youtube.com/watch?v=NnvPRZNh31Q

أدعو أيضا اساتذة وطلاب أقسام التخصص التلفزيوني بكليات الصحافة الى الاطلاع من أجل الاستفادة.
وأدعو هذا الشخص وشريكه في الفضيحة الى مشاهدة الشريط من جديد، فلو فيهما ذرة حياء سيستحيان من نفسيهما ويعتذران للمشاهدين.

حفيد حسن البنا

ـ أعتقد أن الذين يشمئزون من بعض المثقفين الفرنسيين معهم حق. أقصد هنا المثقفين الذين هم على تماس مع قضايا وتعقيدات الشرق بمفهومه الجغرافي والثقافي والايديولوجي والعقائدي أيضا.
تصوروا شخصية عامة تنحدر من هذا الشرق تشارك في نقاش تلفزيوني جاد يتابعه الملايين، فيسألها أحد هؤلاء المثقفين بعد أزيد من ساعة من النقاش المستفز في أغلبه: هل تحب فرنسا؟ وأيضا: هل تتمنى أن تكون فرنسيا؟
ما هذا الغباء؟
السائل مثقف فرنسي لا أعرف من الذي منحه لواء الدفاع عن فرنسا وقيمها وتاريخها. والذي طُرح عليه السؤال هو الباحث في الحضارة الإسلامية، طارق رمضان، حفيد حسن البنا. وهو بالمناسبة سويسري المنشأ والجنسية، فما جدوى سؤال أحمق من نوع: هل تتمنى أن تكون فرنسيا؟ لو كان وصل لتوه من دلتا مصر، لكان السؤال مقبولا الى حد ما. لكن الرجل سويسري وغربي أكثر من بعض السويسريين والغربيين ذاتهم.
إذن، هو سؤال فخ، علاوة على أنه يفوح عُقدا وأحكاما مسبقة ورفضا للآخر. إذا قلت نعم، فستسجل عليك نقطة أنك انتهازي مع هذا الغرب الذي تنتقده. وإذا قلت لا، سيقال لك بسهولة، أنت ظلامي أو عنصري فعد الى موطنك الأصلي.
حدث هذا الأسبوع الماضي في برنامج تلفزيوني على قناة ‘فرانس2’ العمومية أعادت القناة الخامسة بثه لاحقا.
ككل مرة، حضر النقاش طارق رمضان بصفته المسلم المتخلف المعقد من الغرب ومن النساء ـ في نظر محاوريه. وفي الجهة الأخرى جلس مثقفون فرنسيون متحضرون ليبراليون منفتحون (لا لشيء إلا لأنهم غربيون شقر)، بينهم الكاتب أوليفييه زمور اليهودي الأصل.
خيّل إلي بأنني أشاهد برنامجا في القناة نفسها وبذات المضمون والتوجه سنة 2003 وآخر في 2004. كان واحدا في حضرة وزير الداخلية الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي.
في الأول سألت نفسي لماذا يقبل رمضان الحضور بهذه الصفة حيث يكون مطلوبا منه دائما إثبات براءته وتفصيل إسلام تلفزيوني يليق بأذواق محاوريه. لكن عندما تناقشت في الموضوع مع أصدقاء وزملاء لفت بعضهم انتباهي الى أن الرجل لا يملك حلا أو وسيلة أخرى غير الحضور في سياقات يرسمها خصومه، لأن غيابه أو مقاطعته مثل هذه النقاشات تعني أنه يكرس الأحكام المسبقة في رؤوس خصومه.
لكن المشكلة أن هؤلاء المحاورين متحجرون ومنغلقون أكثر من بعض المسلمين. في أحسن الأحوال هم يرفضون ما يقوله الآخر لأنهم لا يقبلونه كما هو، بل يريدونه أو ينتظرون أن يكون مثلهم.
كتبت بهذه الزاوية يوم 14 كانون الأول (ديسمبر) 2004 عن حلقة مع طارق رمضان بُثت في ذلك الأسبوع وأخرى في الأسابيع السابقة. وتوصلت الى استخلاص أنه نوع من زواج المتعة: هذا الصنف من الفرنسيين يصفون حساباتهم مع الإسلام والمسلمين عبر طارق رمضان (ولو بنقاش عقيم يسيء لهم ولمكاناتهم أولاً)، ورمضان يتلذذ بالنقاش معهم لأنه يبقيه في الواجهة ويروج لأفكاره وأبحاثه ويعمل له شهرة ما كان ليحققها لو دفع ملايين الدولارات.
اليوم أغيّر قليلا من حكمي فأقول انه لم يعد زواج متعة، بل زواج المضطر. أي المضطر للعيش مع زوجة مقرفة مفروضة عليه لا خلاص له منها. هذا الزوج هو رمضان، وهذه الزوجة هي هذا الصنف من المثقفين الفرنسيين. أقول هذا لأن رمضان تطور وتغير الى الأفضل (حتى في شكله) بينما بقي خصومه يلوكون نفس الأفكار السلبية الجاهزة عن كل ما ليس مثلهم.
بالنسبة لهؤلاء، 2003 هي نفسها 2009. وأخشى أنهم ماضون في تحجرهم لتكون 2003 عندهم هي نفسها 2030 و2300.
وأنا أشاهد الحلقة الأخيرة في القناة الفرنكوفونية الخامسة، سألت نفسي لماذا لم يتعلم هؤلاء، بعد كل هذه السنين، أنهم لن يأخذوا شيئا من هذا الرجل؟ وسألت نفسي هل يتعرض رمضان لنفس الاضطهاد الفكري والثقافي والايديولوجي في سويسرا التي احتضنته ورعته ومنحته جواز سفرها.
عندما تشاهد تلك النقاشات، لا تبقى فيك ذرة شك بأنها لم تعد مشكلة الإسلام أو المسلمين، بل مشكلة فرنسا والفرنسيين.

توفيق رباحي – القدس العربي

قرأوا أيضا...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.